الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بين تنصّل الدولة وتفشي الـمــال الــــــــفــاســـد: قطـاع الصحـافــة يخـتـنـق ويغرق.. فهل يتدخل الشاهد؟

نشر في  10 أوت 2016  (10:39)

تعيش الصحافة المكتوبة في تونس أسوأ فتراتها بعد أن ظن الجميع أن نفحات الحرية التي هبّت على القطاع بعد الثورة ستمنحه روحا جديدة.. إلا أن الواقع ينبئ باندثار الصحافة المكتوبة وإفلاسها.. فكثيرة هي العناوين التي برزت بعد الثورة ولم تصمد كثيرا، وسرعان ما أعلنت إفلاسها، ورغم تعدد العناوين فإن ذلك لايخفي المصاعب التي يعاني منها أصحاب هذه المؤسسات من تزايد الديون وضعف المردود في غياب الموارد التي  تعيش بها الصحافة المكتوبة وأهمّها الإشهار العمومي والخاص، فأمام الازمات الاقتصادية تقلص عدد المستشهرين وأصبحوا يعدّون على الأصابع، كما يشهد توزيع الإشهار العمومي فوضى عارمة بتحوله إلى «سوق ودلال»، دون أن ننسى الارتفاع الجنوني لأسعار الورق، وغياب دعم الدولة التي يبدو أنها تنصلت من مسؤولياتها الأخلاقية خصوصا تجاه هذا القطاع الذي أصبح للأسف قبلة لأصحاب المال الفاسد الذين استغلوا بعض العناوين لتحويلها إلى أبواق دعاية ولتشويه الخصوم.

غياب الاشهار.. غلاء الورق.. الغاء الاشتراكات .. غياب المستثمرين ودخول المال الفاسد على الخطّ،  كلها اسباب قد تدفع بعض المؤسسات الاعلامية ونخص بالذكر الورقية والالكترونية الى التوقف وإعلان الافلاس اذا لم تتخذ الاجراءات الدنيا لإنقاذها، وفي ظل كل هذه العراقيل واضافة الى الصعوبات التي يمر بها اصحاب هذه المؤسسات الاعلامية يجد الصحفي اليوم نفسه يعاني ظروفا اجتماعية مزرية أمام صمت حكومي غير مبرّر.
صحيح ان اكبر مكسب تحقق للجميع بعد الثورة هو حرية الصحافة والتعبير مقارنة بما كان عليه واقع الاعلام قبل 5 سنوات من اليوم، لكن هذه الايجابيات لا يجب ان تغطّي على العراقيل والعقبات الكثيرة التي تتربص بقطاع الاعلام، وخاصة في مجال الصحافة المكتوبة والالكترونية التي تنبئ كل المؤشرات انها تسير في طريق الاندثار والغرق خاصة بسبب دفع مؤسساتها الى الافلاس والتوقف النهائي عن النشاط
واقع يزداد قتامة يوما بعد يوم، حيث  لحق قطاع الصحافة المكتوبة ضرر جسيم أرهق مؤسساته، القديمة منها والجديدة ، حيث نزل عدد المنشورات وانحسرت مساحات الاشهار وتراجعت كميات الاشتراكات. وقد عمدت حكومات ما بعد الثورة إلى الغاء الاشتراكات التي كانت الادارة والمؤسسات العمومية تقتطعها من الصحف والدوريات وخفضها الى كميات ضئيلة جدا لا تكاد تذكر. كما أن قرارها بالتعاقد الحرّ في مجال الاشهار العمومي أدخل في القطاع فوضى غير مسبوقة وحرم العديد من المؤسسات ولا سيما المشغلة منها لأكبر عدد من الصحفيين وباقي الاصناف من موارد مالية خاصة وجعلها عرضة لازمات مالية خانقة.

عراقيل بالجملة

 الثابت أن الصحافة المكتوبة آخذة بالاختناق الى حد الغرق في كمّ كبير من الصعوبات، مجتمعة أو متفرقة، بتعريض الصحافة الوطنية الى خطر حقيقي ودفع مؤسساتها الى الافلاس والتوقف النهائي عن النشاط، ومن بين هذه العراقيل نذكر:
1 ـ التقليص من عدد الاشتراكات السنوية في الصحف.
 2ـ المماطلة على امتداد سنة كاملة في حسم ملفات المطالب المفتوحة المتعلقة بـ:
• تنظيم توزيع الاشهار العمومي عبر هيكل مستقل.
• اقتطاع الهياكل العمومية للاشتراكات في الصحف.
• انشاء صندوق لدعم وتأهيل الصحافة المكتوبة.
3ـ غياب التجاوب الكلي مع محاولات انقاذ بعض المؤسسات الصحفية وغض الطرف عن المشاريع المعروضة لإصلاح شانها.

الطيب الزهار: هذه أصعب فترة في تاريخ الصحافة المكتوبة

أكد الطيّب الزهار رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف أن قطاع الصحافة المكتوبة يعيش أزمة خانقة منذ 5 سنوات مؤكدا أن هذه الفترة تعدّ الأصعب في تاريخ الصحافة المكتوبة، حيث بيّن في تصريحه لأخبار الجمهورية أن القطاع شهد عديد التضييقات خلال فترة حكم الترويكا منها الغاء الاشتراكات في المؤسسات العمومية والوزارات ورفض اعادة تنظيم الاشهار العمومي، حيث كان يمنح بطرق غير شفافة، مضيفا أن الرغبة خلال تلك الفترة كانت تتجه نحو تركيع الاعلام وأما اليوم فذكر انه لا توجد ارادة سياسية واضحة للنهوض بالقطاع ومدّ يدّ المساعدة. ومن المشاكل الأخرى التي حدثنا عنها الزهار اضافة الى نقص الموارد العمومية نقص الموارد الخاصة ورفض المؤسسات الاقتصادية دعم الصحف. وأفادنا الزهار أنه تم الاتفاق منذ قرابة السنة والنصف مع الحكومة الحالية على ايجاد حلول عاجلة للصحافة المكتوبة باعتبار دورها الهام في بناء الديمقراطيات،  مبينا أنه لم يتم تفعيل هذا القرار الى حدّ اليوم وبقي مجرّد حبر على ورق مضيفا أن حكومة الصيد مطالبة بتفعيله قبل رحيلها.
وذكر الطيب الزهار انه التقى الاسبوع الفارط بيوسف الشاهد صحبة النقيب ناجي البغوري، وتحدثوا خلال الاجتماع عن الوضعية الكارثية للصحافة المكتوبة وعدم تفعيل المطالب القطاعية.
ومن بين المطالب العاجلة التي تحدث عنها الزهار تنظيم قطاع الاشهار العمومي عبر انجاز وكالة وطنية للاشهار  تعمل على التوزيع العادل للاشهار بعيدا عن سياسة الاملاءات والمحاباة والتدخل في الخطّ التحريري أي مؤسسة مختلفة في مضمونها عن وكالة الاتصال الخارجي توزّع الاشهار وفقا لمهنية المؤسسة واحترامها لاخلاقيات المهنة، اضافة الى بعث صندوق دعم من أجل اعادة تأهيل قطاع الصحافة المكتوبة، وعودة الاشتراكات بالوزارات والمؤسسات العمومية.
وختم حديثه بان النية تتجه حاليا الى تكفل الدولة بمعاليم صناديق الضمان الاجتماعي كخطوة اولى لمساعدة اصحاب المؤسسات العمومية .

حافظ الغريبي: لا بدّ من وضع مخطط انقاذ

من جانبه بيّن حافظ الغريبي مدير تحرير مؤسسة دار الصباح، ان واقع الانتاج الحالي للصحافة المكتوبة في حاجة ماسة الى مراجعة جذرية خاصة على المستوى الهيكلي، مشيرا الى أن الأطراف العاملة في القطاع مطالبة بوضع دراسة جديدة وجدية تهتم بواقع القطاع افاقه وطرق تطويره، اضافة الى وضع مخطط لانقاذ الصحافة المكتوبة يتم وفق شروط اساسية، الا وهي دعم الدولة وجودة المنتوج الصحفي وفرض صحافة الجودة .
وبين الغريبي أن القانون الجديد ينص على وجوب وضع كراس شروط لبعث المؤسسات الاعلامية، موضحا أن احترام هذه الكراس ومضامينها هو المحدد للحصول على الدعم من عدمه، اضافة الى كون كراس الشروط ستكون بمثابة خارطة الطريق نحو صحافة الجودة واحترام حقوق العاملين في القطاع المنصوص عليها في الاتفاقيات المشتركة.
وختم محدثنا كلامه بتأكيده ان مختلف مكونات قطاع الصحافة من نقابة الصحفيين وجمعية مديري الصحف ونقابة الاعلام المنظوية تحت لواء اتحاد الشغل متفقون بنسبة 99 بالمائة، حول المطالب والحلول، في المقابل هناك غياب تام لنية سياسية صادقة للنهوض بالقطاع.

وليد الماجري: الصحافة المكتوبة تتجه الى الانقراض

اما رئيس تحرير جريدة آخر خبر وليد الماجري، فبين أن الصحافة الورقية شهدت متنفسا ابان الثورة حيث تصالح القارئ مع الصحف وبات مهتما بالشأن العام والسياسي، مشيرا الى أن الوضع لم يستمر طويلا حيث سرعان ما اختفت عديد العناوين الجديدة نتيجة تفاقم المشاكل المتعلقة بقطاع الصحافة.
ومن بين اسباب ازمة الصحافة المكتوبة حسب الماجري عجز هذا القطاع عن انتاج مضمون مختلف ومتميز، حيث ان معظم الصحف تكتفي بنقل الاخبار وتغطية الندوات ونقل ما يتم نشره عبر المواقع الالكترونية وهو ما جعلها تتأخر وتعجز عن المنافسة امام هجران القارئ لها وتحوله الى الالكتروني .
كما تحدث الماجري عن غياب هيكل منظم للاشهار وغياب العدالة في توزيع الدعم العمومي على مختلف المؤسسات الاعلامية، اضافة الى مشكلة الاشتراكات التي تم حرمان الصحف منها .
وذكر وليد الماجري ان مشكلة الصحافة المكتوبة هي مشكلة عالمية حيث تتجه الى الانقراض والهجرة من الورقي الى الافتراضي والالكتروني، كما ان القارئ بات يحبذ قراءة الاخبار من خلال جهازه الالكتروني وبالتالي وحسب ما ذكره الماجري فان الصحف الورقية مطالبة بتطوير ذاتها والكف عن البكاء والنواح وصناعة منتوج قادر على المنافسة .

عمر صحابو: الاشهار العمومي لا يوزّع بطريقة عادلة

وذكر الاعلامي عمر صحابو ان  الصحافة المكتوبة تقوم على امرين هامين وهما المبيعات والاشهار، مشيرا الى ان المبيعات مرتبطة اساسا بالمضمون والخط التحريري وهذا الجانب يتحمل مسؤوليته صاحب المؤسسة، حيث ان هذا الاخير مطالب بتوفير حاجيات القارئ من مادة اعلامية .
أما بخصوص الاشهار، فذكر صحابو أن المطلوب اليوم هو توفير هيكل قادر على توزيع الاشهار العمومي بطريقة عادلة وشفافة ووفقا لمعايير مضبوطة لا تخضع لإملاءات سياسية، وافادنا أن الدولة ترصد حوالي 17 مليون دينار للاشهار العمومي، لكن هذا المبلغ لا يقع توزيعه بالعدل بل وفقا للميولات والصداقات.
وبقطع النظر عن شهادات المتدخلين من أبناء القطاع..نشير من جهتنا الى أن حكومة الصيد تعمدت المماطلة في ملف قطاع الصحافة المكتوبة لتحرم بذلك مئات العاملين من الزيادات في الأجور اضافة الى أن عدة مؤسسات صحفية أصبحت غير قادرة على صرف الأجور بانتظام وعلى تطبيق الاتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة، وفي انتظار ما ستتخذه الحكومة القادمة من اجراءات بخصوص هذا القطاع نذكر بابرز الحلول في ما يتعلق بقطاع الصحافة المكتوبة والالكترونية كذلك:
ـ اقتطاع الاشتراكات في الصحف والدوريات والزيادة في كمياتها كشكل من اشكال الدعم
ـ الاسراع في تنفيذ الاتفاق حول الإشهار العمومي في الصحافة الورقية والإلكترونية
ـ انشاء صندوق خاص بالصحافة المكتوبة من شأنه مساعدتها على تطوير قدراتها ومواكبة التقنيات الحديثة والحفاظ على مواطن الشغل، وذلك على غرار العديد من البلدان.

اعداد: سنــاء المــاجري